تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي

 الأمن الفكري لأجيالنا بين الأسرة ومحاضن التعليم

 
وكيل الجامعة لشؤون المعاهد العلمية الأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد قاسم الميمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

‏مع استقبال عامنا الدراسي الجديد، ‏وتوجه كافة أبنائنا وبناتنا في اقطار مملكتتنا الحبيبه إلى محاضن العلم ومنارات التوجيه والتربية، لابد هنا من وقفة ذكرى وتذكير، و مراجعة ومحاسبة، أتجاوز بها المعلوم والثابت من فضل العلم ومكانته، ومكانة أهله، وكونه ميدانًا لا يبارى، ومرتكزًا لتشييد الحضارات، وقيام المصالح في الدين والدنيا، وأصل التقدم، وشرف المجد، ووسام الفخر، وصمام الأمان، وأبلغ شاهد على ذلك كله قول الحق جل شأنه: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، ‏وكلها ثمرات ونتائج لا يتنازع فيها أحد، إلا أنه في ظل الفتن والمتغيرات، والآفات والمهددات، وثورة المعلومات، وانفتاح الفضاء التقني، لا بد من التأكيد على دور المؤسسات التعليمية ومنظومتها المتكاملة في الحفاظ على أهم الضرورات، وأساس بناء ‏المجتمعات: ‏الأمن بمفهومه الشامل الذي ينتظم الأمن العقدي والفكري والسياسي والاجتماعي التي تشكل في النهاية معالم الأمن الوطني.

‏والمتأمل يجد أن ‏حجر الزاوية، ‏و محور التأثير في هذه المؤسسات هم فئة غالية علينا جميعًا، جديرة بالاحترام والتقدير ‏والتكريم، هم (المعلمين والمعلمات) النجوم الساطعة، والمصابيح المتلألئة، والشموع التي تحترق لتضيء الطريق للأجيال الواعدة، هم حملة الرسالة، وصناع المستقبل، إئتمنهم الله على هذه الأمانة، وأسلمت إليهم الأسر والمجتمعات أعز ما تملك، ‏فلذات الأكباد الذين يقضون شطر يومهم، وجوهر وقتهم على مقاعد الدراسة، يفيدون من علوم معلميهم، ويتأسون بفعالهم، ويرون فيهم المثل الأعلى، لتكون هذه المحطات أهم معادن الإبداع والنبوغ، ومواطن تشكل الهوية والانتماء، ومنابع  ‏الثراء العلمي والمعرفي، أبعد هذا كله يقلل من دور المعلم والمعلمه؟! 

ألا ما أعظمها من مسؤولية، وما  أشرفها من مهمة، فمع عظم التشريف يعظم التكليف، ومع قوة التحديات، والمستجدات المتلاحقة، والأزمات المتتابعة، تتأكد الأهمية البالغة للمؤسسات التعليمية في الحصانة ‏الذي يباشرها المعلم، ويحققها بأساليب مباشرة وغير مباشرة، يقاوم بها آثار التقنية، ووسائل التحريض والتجنيد، وأي ضرب من التهاون أو التقاعس أو تراشق المسؤولية على الآخرين فإنه لون من ألوان الخيانة، والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

إن ‏بداية الطريق، وأولى الخطوات هي استشعار ‏المسؤولية أمام الله ثم أمام الدولة والمجتمع عن هذا الجيل الذي هو قوة الوطن، وثروة المجتمع، ومستقبل الغد المشرق بإذن الله، و فاقد الشيء لا يعطيه، فلابد من تكوين الشخصية بالمعارف والمهارات والأسس التي تتجاوز بها أن يكون مجرد معلم يؤدي مهنة، إلى شخصية مؤثرة، ‏تحمل رسالة الدين والوطن، وتنقلها إلى الأجيال، ليكون المخرج مثاليًا، وأهم الأسس: المواطنة الصالحة، والانتماء الصادق، والولاء للدين والوطن، فهي ثوابت رئيسة، لابد من استبطانها واعتبارها، وتوافر الجهود عليها، لتتشكل من خلالها معالم الديانة والمواطنة، ‏ومقومات الحصانة الفكرية التي تحمي من النزوات والعواطف، وتقي من شرور التنظيمات والجماعات الضالة، والأفكار المتطرفة الإرهابية، التي لم تعد تمثل آراءًا أو أفرادًا، وإنما يقف وراءه قوى وأنظمة ودول، ويشارك فيها بعض دعاة الفتنة، ورموز التطرف، الذين يغرون شبابنا بمعسول القول، ويمررون الأفكار تحت ‏لبوس الدين، وهم أدوات لتلكم الجماعات والتنظيمات، يرمون هذه البلاد ويستهدفون أمنها ووحدتها وثوابتها، ‏وقد تنامى ضررهم وخطرهم، ‏وأضحت التقانة والشبكات والفضاءات المعلوماتية ‏إحدى أدواتهم يضخون من خلالها هذه الدعوات المسمومة، ‏ويركزون فيها على ما يزعمونهم مثالب، يدسون السم في العسل، ويحسنون القبيح، ويقبحون الحسن،  وتتلقاها عقول هؤلاء الناشئة دون تمييز، ولا أدل على ذلك من الحراك المشؤوم الذي يحوكونه كل فترة، يستغلون به أوقات الأزمات، ويندسون به تحت ركام الفتن، ليحركوا العواطف ضد الوطن ووحدته بالحريات المزعومة، والمطالب التي تدغدغ بعض العواطف، والتوظيف الممنهج لبعض الأحداث، ينادون بالثورات والاعتصامات، ويستجيبون فيها لأهل الأهواء والدعايات المضللة.

ومع اليقين ‏بأن أبناء هذا الوطن يعون أهداف هذه الدعوات ومن يقف وراءها، ويقاومونها بقوة الحجة، وزيادة اللحمة، والالتفاف حول القيادة والعلماء،  ومن هنا تعظم المسؤولية في مواطن التعليم، ومحاضن التربية لتكون منارات إشعاع، ومصادر وعي وتوجيه وتربية، والمنطلق في هذا أمر الله وأمر رسوله  الذي عظم الاجتماع والولاية، وامتن على رسوله  بأن ألف القلوب عليه، فقال: 

((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ))وبرأ رسوله من التحزب والتفرق، فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ)) وأوصى رسولنا بهذا الأصل زمن الفتن، حينما يبرز هؤلاء الدعاة الذين يقذفون الناس في نار جهنم، داعين إلى الفرقة، وشق عصا الطاعة، ونقض البيعة، فقال في الوصية المنجية منهم: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، فما أعظمها من وصية تمثل هوية الأمة والوطن، ومرتكز الحصانة العقدية والفكرية، ومهما أبدى الإنسان وأعاد في هذه الأصول التي يجب أن تتركز الأدوار التعليمية عليها فإنه لن يبلغ حجم المسؤولية التي نؤديها وفاءً بالبيعة التي في أعناقنا، وحفاظًا على أمننا ووطننا، ويبقى فوق ذلك وقبله وبعده حفظ الله ورعايته لهذه البلاد الطاهرة، والوطن الآمن.

وإذا كانت هذه مسؤولية المعلم والمعلمة في الأبعاد الوقائية والمسؤولية التحصينية، فإن الحديث عن المسؤولية المجتمعية التي نتحملها جميعًا عن أمن وطننا ووحدته ومكتسباته أبلغ وآكد، وكلنا رجل أمن يرابط على ثغور هذه البلاد، خصوصًا في ظل هذا الاستهداف الذي استثمر ظروف الوقت في مواجهة الأعداء، وعظم خطره حينما وجد في الصف مندسون في تموجات عقدية وفكرية وسلوكية، وانتماءات وولاءات طائفية وحزبية، كانت منطلقًا لأولئك في طعن الوطن في خاصرته، وتعاظم الخطر بخبث الأساليب التي سمموا بها العقول، والتي اعتمدت تشويه صورة ولاة الأمر والعلماء، وإساءة الظن بهم، والتقليل من جهودهم وما يقدمونه، وفِي مقابل ذلك التواصل مع أعداء الدين والوطن، وتحريك العواطف بالحريات المزعومة والحقوق زعموا، ليصلوا إلى مرادهم، ومع أن هذه الدعوات اصطدمت بفضل الله بوعي كامل من أبناء الوطن، ذلك الوعي الذي بُنِي على عقيدة راسخة، وكلمة للعلماء ناصعة، استبطنت فيها وصية رسول الله في قوله: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ"، وقوله: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، وقوله e في وصية المودع: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ"

إلا أن المطلوب منا كبير، والواجب علينا عظيم، فواجبنا أن نتجاوز ‏مشاعر الاستنكار إلى إيجابية نتعاون بها مع رجال الأمن في التبليغ عن كل مظهر أو شخص مريب، ‏وأن تقف الإشاعات والأراجيف والمقاطع المغرضة في أجهزتنا فلا يصل بها مريد الفتنة إلى ما يريد، وأن نحسن الظن بولاة أمرنا ونقدر لهم نظرتهم فيما يتخذونه من إجراءات أمنية لا يمكن اعتبارها بالعواطف، فالأمن ‏فوق كل اعتبار، وولاة الأمر يقفون على حقائق وخفايا توجب الحزم مع كل هذه المظاهر مهما كانت منزلة أو مكانة من صدرت منه، والمسؤولية عظيمة، والواجب كبير، ولن يحمى الوطن إلا بأيدي أبنائه، وإننا لنحتمي بالله ونلجأ إليه أن يحفظ هذا الوطن من كيد الكائدين، وعبث العابثين، وفساد المفسدين، وضلال المضلين، اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والإيمان، واحفظ وطننا من دعاة الفتنة، ورد كيدهم في نحورهم يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أ.د.إبراهيم بن محمد قاسم الميمن 

 وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية

 الأســـتـــــاذ فـــي الــمـــعـــهـــد الــعالي للقضاء


--
22/08/1439 03:21 م
آخر تعديل تم على الخبر:
 

المحتوى المرتبط

بحث / ربط المحتوى

    عنوان المحتوى التاريخ
    السبت 25/12/1438 هـ 16/09/2017 م
    المصدر:الإدارة العامة للإعلام والاتصال
    التقييم:
    الكلمات الدلالية
    جامعة الإمام، الوطن، الأمن، وكيل الجامعة لشؤون المعاهد العلمية، إبراهيم الميمن