الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
فإن الأمر الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله- بإنشاء مجمع للحديث النبوي الشريف، باسم "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف"، وأن يكون للمجمع مجلس علمي يضم صفوة من علماء الحديث النبوي الشريف من كافة أنحاء العالم، لهو عمل عظيم، وحدث يأخذ بمجامع القلوب، ويبعث الأمل في النفوس ويؤكد على بقاء الخيرية في هذه الأمة الوسط إلى يوم الدين، ويثلج صدور أهل السنة والجماعة في أنحاء الأرض نظرًا لعظم مكانة السُّنة النبوية لدى المسلمين؛ كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، كما يدفع الضلال عن هذه الأمة بأسرها تصديقًا لخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله جلَّ وعزَّ، وسُنَّةَ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ)) وفي رواية : ((تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه)) وفي رواية : ((قد تركتُ فيكم بَعْدي ما إن أخذتُم، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّمَ)) وفي رواية: ((تركتُ فيكم أمرين، لن تضلُّوا ما تمسكتم بهما: كِتاب الله، وسُنَّة نبيِّه ((
وهذا الأمر الكريم لا يستغرب على ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة الطيبة فهو يعد استمرارًا للنهج الذي سارت عليه هذه الدولة السنية السلفية من خدمة الشريعة الإسلامية ومصادرها الأصيلة منذ النشأة مرورًا بالتأسيس وإلى عصرنا الحاضر والى أن يأذن الله ويشاء ، فقد بذلوا في خدمة الوحيين الشريفين الغالي والنفيس، كما أسسوا دولتهم المباركة على أن يكون دستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يستمد الحكم فيها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، كما أوجبت هذه الدولة المباركة على نفسها – استجابة لأمر الله وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم – حماية عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين، وتطبيق شريعة الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله على بصيرة.
ويعد إنشاء هذا المجمع للعناية بالسنة النبوية إنجازًا إسلاميًا جديدًا يدون في تاريخ ومسيرة هذه المملكة المباركة، وجهودها في خدمة الشريعة الاسلامية ومصادرها، من خلال إيجاد جهة علمية متخصصة على أعلى درجة من الكفاءة العلمية والبحثية تعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه جمعًا وتصنيفًا وتحقيقًا ودراسة، كما نؤكد على أن هذا المجمع سيكون - إن شاء الله تعالى - نواة لحفظ الأحاديث النبوية الصحيحة، وفهمها الفهم الدقيق الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية القائمة على رعاية مصالح العباد وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، واتباع الحق والرحمة بالخلق .
كما أنه يعد قاعدة صلبة للدفاع عن السنة النبوية أمام هجمات الأعداء والمستشرقين، ويعزز من دور المملكة في ريادة الأمة الإسلامية ويساهم في نشر الفكر الوسطي المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والتطرف والإرهاب.
أسأل الله تعالى أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز خير الجزاء؛ عما يقدم في خدمة دينه وكتاب الله وسنة نبيه ولما يقدمه لأمته ووطنه، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناته يوم يلقاه، وأن يبارك في عمره وعمله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
وكتبه الدكتور / يحيى بن علي العمري
عميد كلية الشريعة بالرياض