إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أما بعد:
فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد، وتقليلها، وما من خير إلا وجاءت الشريعة به، وأكدت عليه، وما من شر إلا وجاءت الشريعة بالتحذير منه، والحث على اجتنابه، ومما جاءت به الشريعة وأكدت عليه: جمع الكلمة، والبعد عن كل ما يفسد وحدة الصف، وينقض كلمة المسلمين، فجاءت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة مؤكدة لشأن الالتزام بجماعة المسلمين، ومعظمة لشأنها، ومحذرة من التفرق والاختلاف، فقال عز وجل: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم". وقال تعالى ناهياً عن التنازع: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". سورة الأنفال: 46. وجاء عن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمر بلزوم جماعة المسلمين، فقال: "عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة" أخرجه الترمذي، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تحبون في الفرقة". أخرجه الطبراني والحاكم. وقد نص ابن تيمية على أن: "الواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة، والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم، وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاوياً وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
ومن تأمل سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معاملته للخلق، من لين الجانب والسماحة، وتركه كل ما فيه تنفير، حتى إنه كان يترك الأكمل ويفعل ما دونه خشية التفرق؛ فقد ثبت عنه قوله لعائشة رضي الله عنها: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلتها على قواعد إبراهيم"؛ حرصاً منه على تأليف القلوب، فمن تأمل هذا وغيره عرف أن من أهم قواعد الدين: السعي في هداية الخلق، وجمع كلمتهم، وهذا من أعظم المعروف، وإهداره من أعظم المنكر.
ولما كانت المملكة العربية السعودية مهوى الأفئدة، وموطن المسلمين، تعرض لها الأشرار الفساد، وجعلوها مقصداً لشرهم؛ فلقد كانت منذ أوائل نشأتها سائرة بثبات على نهج السلف البعيد عن الابتداع والتكفير، وقد جاء النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412ه، معبراً – بلفظ محكم ومعنى واضح – عن مصالح الأمة الإسلامية، ومستوعباً لمكونات المجتمع، ومحافظاً على قواعد الشريعة، فقضى بأن دستور المملكة العربية السعودية كتاب الله وسنة رسوله، (وأنهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، كما فرض النظام حماية الدولة للعقيدة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وعد النظام إعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما التزاماً وواجباً، كما أكد النظام على أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة.
إذا تقرر ذلك: فإن الواجب علينا جميعاً أن نستشعر المسؤولية الشرعية في مثل هذه الأحوال، وألا نلتفت لدعاة الشرور والفتن، وأن نسعى جميعاً في حفظ المصالح المتحققة من قيام هذه الدولة، وأن نقوي التفاتنا مع ولاة أمرنا؛ فإن من أصول أهل السنة والجماعة: ما ذكره الإمام المجدد: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمَهُ اللهُ- في الأصول الستة: "الأصل الثالث: أنَّ مِن تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمَّر علينا ، ولو كان عبداً حبشياً ، فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا بياناً شائعاً ذائعاً بكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدَّعي العمل به".
وعلينا أن نعتبر بغيرنا ، ولا نجعل أنفسنا عبرة لغيرنا ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من اتعظ به غيره، ولننظر إلى حال البلدان التي كانت مستقرة آمنة ، وما آلت إليه الأمور فيها من فقدان لنعمة الأمن والأمان والاستقرار، وما حل بهم من التشتت والتفرق، والذي حصل بعد الانسياق لفتن الثورات والمظاهرات، والاستماع لدعاة الفتن والشرور.
نسأل الله تعالى أن يرد كيد الكائدين وأن يجعل تدبيرهم تدميرا عليهم ، ونسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وأن يديم عليها الدين والأمن والأمان والرخاء والاستقرار واجتماع الكلمة ووحدة الصف في ظل قيادتنا الحكيمة المسددة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهم الله ورعاهم ، والله الموفق.
د. يحيى بن علي العمري
عميد كلية الشريعة بالرياض