تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي

 ذكرى اليوم الوطني: ملحمة مؤسس وبناء دولة

 
مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالنيابة د. فوزان بن عبدالرحمن الفوزان

في هذا العام يتوافق اليوم الأول من برج الميزان، الذي يحمل الذكرى الغالية على كل مواطن، مع اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، الموافق 23 ديسمبر 2015م، وتمر هذه الذكرى الغالية العزيزة على كل مواطن على هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) كل عام ونحن نتذكر توحيد هذا الكيان العظيم والوطن المعطاء على يد المغفور له ـ بإذن الله ـ الملك المؤسس موحد هذا الوطن العزيز، الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه.

ويأتي هذا اليوم في مناسبة عظيمة كريمة تتمثل في يوم عيد الأضحى المبارك؛ حيث يوافق هذا العام يوم النحر، ونستعيد في هذا اليوم وهذا العيد المبارك بمشاعرنا وشعورنا وخيالاتنا جهاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله رحمة واسعة - الذي أخذ على عاتقه توحيد البلاد وأمن العباد، تحت راية هدفها توحيد العزيز الحميد وإفراده جل في علاه بالعبادة، وكان في كل حين شديد التعلق بربه، داعيًا الله في كل عمل أن يوفقه إلى إقامة دينه القويم على ما جاء في الكتاب والسنة.

وقد شد عزمه وسانده رجال أخلصوا لله ثم لقيادتهم الفذة، فبدأ الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ذكره ـ بالجهاد الذي جمع الله به شمل أهل الجزيرة، بعد أن كانوا أعداء متباغضين، متحاربين، متنافرين، يأكل القوي منهم الضعيف، ويعتمدون على العصبية التي أبادت الناس وخربت البلاد، وأضعفت الدين وقللت أنصاره، وشجعت على خروج الضلالات والفتن، والشرك والانحراف عن التوحيد الخالص، فكثرت الفتن وعمت الفوضى في البلاد، وعطلت بعض شعائر الدين بسبب قلة الأمن وانتشار الخوف.

إن هذا اليوم العظيم في تاريخنا المجيد ليعيد ذكرى ملحمة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – يرحمه الله- في بناء دولة وتأسيس كيان، فعلينا أن نفكر بتمعن كيف حول البلاد ـ بفضل الله ـ من الخوف إلى الأمن، ومن الجوع إلى الشبع، ومن المرض إلى الصحة، وحينما نقارن بين الحالين نحمد الله على ما من به علينا من نعم وخيرات وأمن وصحة وعافية.

إن الحديث عن اليوم الوطني ذكرى تسر الخاطر، وتبهج الفؤاد، وتحشد المعاني الجميلة في هذا الوطن العزيز، كيف لا وهو وطن المقدسات والبلد الأمين الذي اصطفاه الله وفضله واختاره على سائر بقاع الأرض، وخصه بميزات عظام، فجعل فيه بيته المعظم قبلة للمسلمين، ومسجد خاتم أنبيائه عليهم جميعاً الصلاة والسلام الذي تشد إليه الرحال وتضاعف فيه الحسنات. إن هذه البلاد المباركة قد حباها الله بأن جعلها مهوى الأفئدة، وموطن خليله وبلد رسالته الخاتمة، وقد عبر خاتم الرسل نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، عن حبه لوطنه بقوله صلى الله عليه وسلم حينما غادر مكة المكرمة في هجرته إلى المدينة المنورة (ما أطيبك وأحبك إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك).

إن هذا الشعور المتأصل في النفوس السوية، العارفة الفاهمة، يجعل المواطن الحق يستشعر مسؤوليته عن وطنه، ففي الوقت الذي يشعر الفرد بفخره واعتزازه بالوطن ومآثره ومكتسباته، والشرف بما خصه الله سبحانه به من ميزات وخصائص لا تتوفر في عدد من بلاد العالم، إلا أن هذا الفخر والشرف لا يقتصر فقط على مجرد الشعور العاطفي، والميل إلى محبته والانتماء إليه، بل هو مسؤولية عظيمة يتحمل فيها الفرد (كل فرد) ما أوجبه الشرع عليه من حقوق وواجبات نحو دينه ووطنه.

إن ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، يذكرنا بباني هذا الكيان وموحد أركانه ومؤسس بنائه، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل – رحمه الله- الذي يعد حقاً من رجالات التاريخ المعاصر، فإن توحيده لهذا الوطن الكبير والقارة المترامية الأطراف (المملكة العربية السعودية)، يعد نقطة فاصلة في التاريخ المعاصر لجزيرة العرب، وتحولاً نوعياً، تحقق فيه لهذا الوطن الأمن والأمان والإيمان، نَعم إنها نِعم لا يقدر قدرها إلا من عرف الحقبة التاريخية السابقة لهذا التاريخ المجيد، وقرأ أو سمع عن الأوضاع السائدة في الجزيرة العربية، وما كانت عليه من فتن وحروب وويلات، وما عانته من بعد عن دين الله، وهدم لأصل الأصول، وأساس الدين (توحيد الله جل شأنه) وما نتج عن ذلك من تشرذم وتفرق وتناحر وتباغض، وعداء وتحارب وفساد وإفساد.

ومن المؤكد أنه ليس المراد بذكرى هذا اليوم مجرد استعراض للتاريخ وهو مهم بلا شك، أو سرد متكرر لا يخرج عن التفاصيل التاريخية، أو إيضاح جملة من الأحداث مرّت، وإنما هي مناسبة مهمة لها هدف وغاية:

فالهدف: تذكيرنا بأكبر وأعظم وأجل نعمة تمت على هذه الجزيرة العربية في العصر الحديث، وهي نعمة الاجتماع والتوحد والألفة، والمحبة والتعاون، وقيام دولة الكتاب والسنة ونصرة توحيد الله، والعقيدة النقية الصافية التي تُفْرد الله بالعبادة، فحق علينا حمايتها من عوامل الانحراف والتطرف والخلل العقدي، وتحقيق هذه المقاصد، والأخذ بها كما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الأصل والأساس المتين الذي قامت عليه هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية على مر عصورها وأدوارها وتطورها فمن الدولة السعودية الأولى إلى الثانية، ثم الدولة السعودية الثالثة التي نعيشها ونتفيأ من معينها، ونستظل في ظلالها، وننعم  ـ بفضل الله ـ بأمنها وأمانها، حتى صارت مضرب المثل للقاصي والداني، تنعم بالولاية الحكيمة، والقيادة الرشيدة التي تسير على خطى المؤسس، وتؤكد على الأصول والثوابت، وتسعى للتطور والارتقاء على أُسس متينة، وخطى حكيمة، فأثمر ذلك كله ما نعيشه من رغد في العيش، ووفرة بالرزق، وأمن وأمان في هذا الوطن المعطاء.

وأما الغاية: فهي الحفاظ على هذا الوطن العزيز، آمناً مستقراً، من خلال الحفاظ على مكتسباته ومنجزاته الوطنية، ووحدته وتماسكه، وتعزيز الانتماء في أبنائه إليه واعتزازهم به، وزيادة اللحمة الوطنية، والسعي ليكون واحة أمن، ومنارة علم، ومقر حكمة وعزم وحزم.

إن اليوم الوطني ذكرى عظيمة مباركة جديرة بأن تذكّر بها الأجيال، وتبرز فيها مآثر المؤسس العظيم – رحمه الله- وخطط التنمية التي مرت بها المملكة العربية السعودية في طورها الحديث. إن اليوم الوطني مناسبة وطنية تاريخية ممتدة، يُعد الاحتفاء بها والتذكير بآثارها من الشأن الاجتماعي، وتأتي الأبعاد الشرعية أصولاً يذكّر بها على مر العصور في جميع الأوقات، وليثمر هذا التذاكر والتواصي العناية والتأكيد، بل وحماية هذه الثوابت في ظل فتن ومتغيرات ودعوات إلى إضعاف هذا الأصل أو إهماله بحجج لاتقوم على دليل، كما أن تذكر هذه الآلاء يحمل في الوقت نفسه المعاني التي هي سبب للقيام بواجب تلك النعم من شكر الله، والاستزادة من فضله، والحفاظ على ما هو سبب قيامها ودوامها وزيادتها ونمائها.

إن ذكرى اليوم الوطني واسترداد الرياض على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل – يرحمه الله- يجعلنا نعيش تلك الأحداث الجسام، وما آلت إليه من استقرار ورغد في العيش وأمن وطمأنينة وغيرها من نعم لا تعد ولا تحصى ويدعونا ذلك لشكر الله تعالى عليها، وتحقيق مقومات بقائها وضمان استمراريتها ومقاومة الانحرافات الفكرية التي تنال منها، وحماية جناب هذا الوطن من كل من يريد به شرًا أو أذى.

إن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من المؤسسات التعليمية التي غرس بذرتها المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود – رحمه الله تعالى - عندما أوكل إلى مفتي عام المملكة في ذلك الوقت الشيخ محمد بن إبراهيم بتأسيس أول معهد علمي في مدينة الرياض ليكون نواة هذه الجامعة المباركة، وبعد ذلك أسست كليتا الشريعة واللغة العربية، لتكونا روافد في تعلم الدين والمنهج الوسطي الذي قامت عليه هذه الدولة العزيزة.

لقد كان لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية السبق في الاهتمام بالعلوم الشرعية واللغة العربية، وساهمت من خلال خططها التنموية التعليمية بالارتقاء بالتعليم بجميع فئاته من خلال معاهدها العلمية التي تربو عن أربعة وستين معهداً موزعة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى معاهدها العليا وكلياتها في الداخل والخارج التي تهدف إلى نشر العلم الشرعي في جميع أنحاء العالم.

وتشهد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تطوراً في جميع مجالاتها العلمية والبحثية وخدمة المجتمع من خلال كلياتها ومعاهدها العليا، فهي الجامعة الوحيدة التي يوجد بها معهد عال للقضاء وآخر للدعوة والاحتساب، وبالإضافة إلى المعاهد العليا والكليات الشرعية، توجدالكليات الإنسانية والتطبيقية، فأصبحت هذه الجامعة بفضل من الله ثم بدعم القيادة الرشيدة في هذه البلاد العزيزة مقصد طلاب العلم الشرعي، وغيره من العلوم من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فاستطاعت بفضل الله خلال مسيرتها التي تزيد عن سبعين عاماً أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن تكون لبنة قوية في مسيرة التعليم في بلاد الحرمين الشريفين.

وللجامعة العديد من الإسهامات الوطنية والإسلامية يصعب أن نوجزها في هذه المقالة فضلاً عن أن نبسط القول فيها، لكن نعيد بها ذكرى عزيزة على قلوب المجتمع السعودي وهي توحيد هذا الوطن وتعزيز لحمة أبنائه، إننا نتذكر هذه المناسبة الوطنية العزيزة، ونحن نعيش ظروف الوقت الراهن، ومتغيراته التي تعصف بالمنطقة العربية خصوصاً، والعالم أجمع، فهذه المتغيرات تحمل في طياتها فتناً عظيمة وأحداثاً عصيبة، حمى الله هذه البلاد وأهلها من شر الأشرار وكيد الفجار، ونحمد الله أن هذه الأحداث لم تزد المجتمع السعودي إلا تماسكاً وتعاضداً والتفافاً حول قيادته وعلمائه.

ثم إني لأجدها فرصة عظيمة سانحة أن أشكر الله جل شأنه على النعم التي تتوالى على هذا البلد العزيز، فهو أهل الثناء والشكر، وما بنا من نعمة فمنه وحده، ثم أثني بشكر من هم سبب في توالي النعم واستتباب الأمن وحفظ البلاد والعباد من الأخطار المحيطة بهم، وأرفع ببالغ التهنئة الخالصة الصادقة والتبريكات الجمة الغزيرة، لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رجل الحزم والعزم، والأمن والأمان، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حفظهم الله جميعاً ذخراً للإسلام والمسلمين ولهذا الوطن الغالي، وأدام عليهم نعمه، وأسبغ عليهم فضله، وأتم عليهم آلاءه، ولأبناء وطني العزيز كل خير عميم.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبدالله هادي البشرية وسراجها المنير وعلى صحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالنيابة

د. فوزان بن عبدالرحمن الفوزان

لزيارة رابط البرنامج https://units.imamu.edu.sa/deanships/watani/Pages/default.aspx

--
22/08/1439 03:11 م
آخر تعديل تم على الخبر:
 

المحتوى المرتبط

بحث / ربط المحتوى

    عنوان المحتوى التاريخ