القى معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل محاضرة بعنوان (وصايا وتوجيهات) في جامع إسكان الطلاب يوم الأربعاء 15/2/1435هـ بعد صلاة المغرب.
وفي بداية المحاضرة رحب عميد شؤون الطلاب الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الصغير بمعالي المدير مثمناً حرص معاليه رغم مشاغله على نصح الطلاب والاستفادة من هذا اللقاء.
ثم تحدث بعد ذلك معالي المدير قائلاً : حياكم الله في منارة من منارات العلم وفي بيت من بيوت الله تجتمع فيه القلوب بذكر الرحمن نلتقي معاً كأخوة وأبناء في لقاء دوري محبب إلى النفس ونحرص عليه كلما سنحت الفرصة ولاشك أن لهذه اللقاءات فوائد وثمرات ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، موضوع هذا اللقاء وصايا وتوجيهات وديننا الحنيف لا يخرج عن ذلك ومن هنا إذا أمعنا النظر في أفضل الوصايا هي ما وصى الله به الرسل قال تعالى (شرع لكم من الدين ما وصينا به نوحاً والذي أوحينا أليه وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) أي وحدوا الله عز وجل وأخلصوا العبادة له وجاء بذلك جميع الرسل حتى آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ومن هنا فإن تلك الوصايا والتوجيهات لن تخرج عن ذلك .
وكانت أول وصية تناولها معالي الدكتور هي تقوى الله عز وجل، وقال: أن التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل المأمور واجتناب المحظور ويكون ذلك بفعل الواجبات قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) هذي هي التقوى حقيقتها وأساسها لكن ما هي أهمية التقوى فلها منزلة عظيمة في هذا الدين ولها من الآثار العجيبة على النفوس والقلوب ما لا يعلمه إلا المتقون الذين تذرعوا بحقائقها .
وأول أمر يدل على ذلك هي أن كلمة التقوى هي كلمة الإخلاص قال تعالى ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أهلها أحق بها وكان الله بكل شي عليما) وهذي هي أساس الدين والاجتماع على مبادئ الدين وهذا هو الأمر الأول مما يدل على أهمية التقوى .
الأمر الثاني: أن الله عز وجل طلب التقوى وتحقيقها على الناس جميعاً ومن المؤمنين على وجه الخصوص قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) هذه دعوة للناس أجمع على مختلف المستويات أن يتقوا الله .
ولو لم هذه التقوى ذات أهمية وأثر وتأثير على عباد الله لما طلبها الله سبحانه وتعالى وأكد عليها في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الأمر الثالث: هو أن التقوى وصية الأنبياء جميعاً إلى أممهم قال تعالى (إذ قال لهم أخوهم نوح أن أتقوا الله) وكذلك الحال بعموم الأنبياء ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكد على ذلك (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن).
الأمر الرابع: أن الله عزوجل طلب من عباده أن يعبدوه من أجل أن يحققوا التقوى قال تعالى ( يا أيها الناس اتقوا الله الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون).
وأشار معاليه إلى أن مكان التقوى هو القلب والدليل قال صلى الله عليه وسلم (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وهذا مؤشر واضح على أن هذا القلب له أهمية قصوى لتحقيق التقوى في انفسنا ومجتمعاتنا .
وأضاف معاليه بأن ثمرات التقوى كثيرة ومتنوعه وتأتي على كل ما أمر به الدين من خير وما نهى عنه من شر منها : أن التقوى طريق إلى محبة الله قال تعالى (إن الله يحب المتقين) ولا يمكن أن تكون هذه المحبه ألا بإتباع ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه، ومحبة الله عز وجل هي أساس لمحبة الرسول صلى الله علي وسلم ومحبة عامة الناس قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)
الثمرة الثانية من ثمرات التقوى : أن التقوى سبب لتفريج الهموم قال تعالى ( ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً)
الثمرة الثالثة من ثمرات التقوى : انها سبب في سعة الرزق قال تعالى ( ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ولابد أن نعلم أن التقوى لها أثر عجيب في تحقيق الطمأنينة في القلب وهناك آثار كثيرة للتقوى منها تحقيق الوصول إلى الجنة والأمن والأمان والطمأنينة ومنها كذلك محبة الناس .
والوصية الثانية: الإخلاص لله عز وجل وذلك بعبادته وتوحيده وفق ما جاء به في كتابه وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه العقيدة بهذا المفهوم أجتمع عليها الرسل ودعوا أليها .ولذلك فإنك لو تأملت ما جاء في القرآن من الأحكام والقصص والمواعظ وطلب تحقيق التوحيد لما وجدت آية إلا ودلت على ذلك ولا حديث عن رسول الله إلا وله علاقة بذلك ، فيجب على المسلم أن يخلص في هذه العقيدة كما جاءت قال تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) قال صلى الله عليه وسلم (من شهد أن لا آله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى ابن مريم عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وان الجنة حق والنار حق دخل الجنة على ما كان من العمل) هذي هي عقيدة التوحيد ونحن نعلم أن العرب قبل الإسلام كانوا قبائل متناحرة وتسود بينهم العصبية والبغضاء والسباب والظلم .
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد ظل يدعو الناس ثلاثة عشر سنة بعقيدة التوحيد لا بصلاة ولا بصيام ولا بأمر بالمعروف ولا بنهي عن المنكر إنما كان يقرر كلمة لا آله إلا الله بشروطها .
وفي الوقت المعاصر يوجد مثال حي وواضح ونعيشه هذه الجزيرة العربية كانت قبل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه دويلات متنافرة وفيها من الجهل والظلم والعدوان والعصبية والفرقه ما يعرفه اجدادنا ولما جاء الملك عبدالعزيز نادى بالتوحيد وبكلمة الله وأقام شريعة الله على ما جاء في الكتاب والسنة اجتمع الناس عليه ومن حوله ونحن الآن نعيش هذا الخير والأمن والأمان في وقتنا الحالي .
ويتبادر سؤال ما هي ثمرة التوحيد : التوحيد النقي الخالص له نتائج طيبه لا يحس بها ولا يشعر بآثارها إلا من أعتقد ذلك وسار على هذا النهج اما أرباب البدع والأحزاب والتجمعات الذين أصبح ولائهم عليها فهم في غم وضيق وشدة وحقد وحسد وكره وبغض وهذه الجماعات طوق على اعناقهم محكومون بها وتجدهم يؤلبون الناس ويحاولون شق عصى الاجتماع من خلال البحث عن كل الوسائل والأساليب التي يستطيعون من خلالها الا يجعلوا من أي مجتمع مؤمن آمن مطمئن والحوادث تدل على ذلك وتشهد عليه ، ان ما يحدث الآن في بعض الدول القريبة سببه الأساسي والذي يجب أن يناقش هو بعد أهل هذه البلاد عن توحيد الله وعن منهج الله وعن شريعة الله وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقضاء الله القدري الكوني الشرعي ظاهر واضح المعالم في أن من خالف منهج الله فإنه سيصيبه الهوان والذلة والفرقة والخلاف والاختلاف ويقع ضحية للفتن والهرج والمرج والقتل والتشريد وكل ما عاد إلى الله عزوجل كلما قوي هذا المجتمع وتماسك وأبعد عنه دعاة الفتن الذين ينادون بالشر والدعوات المغرضة التي يريدون منها افساد المجتمع ، وأبعد من هذا عندما وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وهنا يكمن الخطر ولكنهم يعرفون بالتلبيس في القول والعمل ويحاولون النيل من العقيدة الصحيحة أو القدح فيه وخصوصاً في هذه البلاد وانه يريد أن يوقع الناس في المهالك ولا يمكن ان يقفوا عند حد ولكنهم معروفون ومكشوفون من تزييف وقلب للحقائق وعباراتهم تدل عليهم فالحذر منهم لأنهم يريدون أن نبتعد عن عقيدتنا ووطننا ، ولذلك إن آثار تحقيق التوحيد لا يمكن أن نتعرف عليها كلها بل سوف أذكر أمر واحد منها قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) أي الذين حققوا التوحيد ولم يلبسوا إيمانه بظلم والظلم هنا الشرك فإن جزاء هؤلاء أن الأمن الذي سوف يجنونه هو الأمن التام في الحياة الدنيا على نفسه وعرضه وماله وعقله وما له من واجبات وكماليات بشرط قد حقق التوحيد في نفسه وأقواله وأفعاله وقيامه بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
النوع الثاني: أنه يتحقق الأمن التام في الآخرة من العذاب فيدخل الجنة وهذا هو مقصود كل مسلم في هذه الحياة الدنيا .
ثم انظروا كيف ننجو من الفتن وتبعاتها ونكون صخرة تتفتت عليها دعاوي المبطلين وديننا قد ذكرها وأوضحها نبينا صلى الله عليه وسلم بأن نلزم جماعة المسلمين وإمامهم فهي بعد الله هي المنجيه من الفتن وان يكون ذلك حاضراً في قلب الإنسان وعقله وفكره وأقواله وأفعاله دائماً وأبداً . و هذا الأمر قد تأكد في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) والمقصود بحبل الله هنا قال بعض الصحابه أن المقصود هو القرآن الكريم وقال بعضهم أن المقصود هو الجماعة وهي حق . ويؤكد هذا المعنى الحديث قال صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً يحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم وان تلزموا جماعة المسلمين) ومن هنا نقول إن ما يقع فيه الشباب من المزالق ومن الأفكار المنحرفه هو بسبب عدم معرفتهم بهذه النصوص الواضحة ولأن بيوت العلم خلت من توجيه أبناء المسلمين بخصوص هذا الأمر الأمر الذي معه تكاثرت الفتن في وسائل عده على عقول الشباب ونفوسهم في أمور هي من أبسط الأشياء وأسهلها .
فواجب علينا جميعاً أن نتناصح فيما بيننا حتى نكون أمة واحدة مترابطة متماسكة متحابة ونقف صفاً واحداً ضد هذه الهجمات .
وفي ختام المحاضرة قال معاليه: اسأل الله أن يجعلنا من المحققين للتوحيد المخلصين لله عز وجل ومن المتعاونين على البر والتقوى وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا وأن يفتح لنا ولكم أبواب الصلاح والفلاح والطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وفي ختام هذه المحاضرة كرم معالي مدير الجامعة ثلاث من طلاب حلقات تحفيظ القرآن ممن حفظوا القرآن الكريم كاملاً وكتاب التوحيد