تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي

  جريمة الأحساء . . جريمة بحق الوطن كله

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد:

ليس أقسى على المسلم المعتدل من أن يرى فئام من إخوانه وبخاصة من فئة الشباب يرفع راية الإسلام، ويدعو إلى تطبيقه في شتى شؤون الحياة.. لكنه يضل الطريق؛ فيغلو في دين الله غير الحق.. ولا يحتكم إلى شرعه القويم، وصراطه المستقيم.. فينتهج منهج الغلاة من التشدد في الدين والتطرف فيه، ويدفعه التهور والجهل أو التعالم وربما العاطفة الجياشة إلى التكفير، وركوب مطية العنف والإرهاب والتفجير.. مستبيحاً الدماء المعصومة، والأملاك المحترمة، ومنتهكاً الحرمات.. زاعماً أن هذا يخدم الدين، ويصلح حال المسلمين، ويسهل تطبيق شرع الله المبين، ويزيل المنكر، ويقضي على المعاصي والفساد من المجتمع، ويوصل للغاية المبتغاة -في تقديره وظنه-وهو نصرة الإسلام وأهله.. وما يدري أنه بذلك يكون لقمة سائغة لأعداء الدين، وخادماً لذوي المآرب السياسية والشخصية وغيرها.. من المنتسبين إلى هذا الدين زوراً وبهتاناً، والمتذرعين به لتحقيق مآربهم الخبيثة، وأطماعهم السيئة..

والإسلام دين الجماعة والائتلاف وترك التحزُّب والافتراق فالتزام الجماعة بمفهومها الشرعي.. وتحقيق وسائل المحافظة عليها.. والتحذير من مخالفتها.. عصمة ــ بعد توفيق الله وعونه ومنّه وفضله ــ من الفتن والتطرف والانحراف عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده، وشرعه القويم الذي أمر بالتحاكم إليه.. وفي هذا كله تجنب للأمة من التشرذم والتشتت والتفرق والتحزب والطائفية.. بل من الغلو والتطرف والإفراط  والتفريط.. وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا أمة واحدة وحزباً واحداً على قلب رجل واحد.. تشهد لذلك سيرتهم العاطرة، وخلقهم الإسلامي الفاضل، وعلاجهم لخلافاتهم وفقاً لآداب الحوار، وأصول الخلاف.. حيث كانوا وإن اختلفوا في مسألة ما لا يختصمون.. بل يتحاكمون إلى الكتاب والسنة.. ثم يرجعون إلى الحق.. فالحق أحق أن يتبع.. كانوا ربانيين رحماء بينهم قائمين بأمر الله واقفين عند حدوده باستقامة واعتدال واتزان.. قال الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ  تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)). الفتح/29..

كما أن الإسلام دين السلام؛ والسلام موطن لتهدئة النفوس وإزالة الأضغان، وتقريب القلوب، والبعد عن النفرة والاختلاف.. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم". 

وهذا بخلاف الإرهاب المبني على التخويف والترويع والقتل والتشريد والتطرف والغلو والتطرف . . والذي ليس له وطن أو مكان أو زمان أو وقت أو مذهب أو دين . . فمن يحمل هذا الفكر لا يكف عن الإجرام بحق الأمة والإنسانية والوطن فضلا عن أهل الملة والديانة . . فأولئك الإرهابيون مجرمون في حق أوطانهم ومجتمعاتهم، وهم يحاولون فتح ثغرات في جدار وحدة الوطن واجتماعه وأمنه واستقراره . .

فالجريمة الإرهابية الآثمة التي نفذت في قرية الدالوة بمدينة الأحساء مساء الاثنين الماضي 1436/1/10هـ نفذت لهذا الهدف، وهي في الحقيقة جريمة بحق الوطن كله بجميع فئاته وطوائفه ومذاهبه قبل أن تكون جريمة بحق شريحة معينة من شرائح المجتمع السعودي، والمستهدف بها هو الوطن كله والوحدة الوطنية للمجتمع السعودي، والذين يقفون وراء هذه الجريمة النكراء من مخططين ومنفذين هم في الحقيقة أعداء الوطن وأمنه وسلامته واستقراره، ولذا لاقت هذه الجريمة البشعة المسيئة شجباً واستنكاراً وإدانة من جميع فئات المجتمع وبخاصة العلماء وطلاب العلم والدعاة والمثقفين وكل من له كلمة مسموعة، فالجميع أجمعوا على أن المستهدف بها الوحدة الوطنية والوطن بجميع مكوناته ومكتسباته . . وهذا مما يثلج الصدر، ويسبب خيبة أمل كبيرة لمن خططوا لهذه الجريمة النكراء ونفذوها . .

 ولعل من نافلة القول أن نبين أن هذه الجريمة الشنيعة محرمة في الشريعة جملةً وتفصيلاً . . إذ الشريعة لا تبيح قتل المعصومين من المسلمين والذميين والمعاهدين والمستأمنين . . أو الاعتداء عليهم أو إيذائهم بأي وجه من وجوه الإيذاء . . فضلاً عن أن يكون المعتدى عليه مواطناً مهما كان انتماؤه المذهبي أو الطائفي، وهي حرابة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، واعتداء على أمن الوطن وسلامته واستقراره . .  والجهة الإرهابية التي نفذتها هي عدو للوطن كله، فيجب محاربتها بلا هوادة وبكل وسيلة مشروعة، والضرب عليها بيد من حديد..

ونحمد الله أن الجرائم الإرهابية التي ارتكبت ضد هذا الوطن الغالي المعطاء قبل هذه الجريمة أثبتت أن هؤلاء المجرمين المعتدين الظالمين المرهبين لن يفلتوا من العقاب أو من وجه  العدالة . . فولاة الأمر وقوات الأمن وجنودنا البواسل لهم بالمرصاد بإذن الله تعالى . . لذا فالمرجو من العلماء والدعاة وطلاب العلم وجميع فئات المجتمع من جميع المذاهب والطوائف أن يتفهموا الموقف ويحاولوا احتواءه، وأن يؤكدوا على الوحدة الوطنية، وأن يبينوا أن المستهدف بهذه الجريمة النكراء الوطن كله بجميع فئاته وطوائفه وليس فئة أو طائفة دون أخرى حتى يخيِّبوا آمال المخططين والمنفذين لها في استهداف الوحدة الوطنية، والأمل في الله كبير في أن ينال هؤلاء المجرمون عقابهم في الدنيا والآخرة . . سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يحفظ على بلادنا أمنها وأمانها وأن يديم وحدتها وائتلافها..   وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتبه/ الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش

رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد

1436/1/12هـ/ 2014/11/5م

--
22/08/1439 03:08 م
آخر تعديل تم على الخبر:
 

المحتوى المرتبط

بحث / ربط المحتوى

    عنوان المحتوى التاريخ