تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي

 السعودية منارةٌ شامخة

الحمدُ لله وحدَهُ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَّ بعدهِ، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإنَّ حبَّ الوطن مغروس في النفوس؛ ومما يتجذرُ في الإنسانِ، ويفيضُ في الوجدان؛ وتحنُّ إليه القلوب، ومِما قعدّهُ العلماءُ – رحمهم الله- مشـروعية حب الوطن، والحنين إليه (ينظر: فتح الباري لابن حجر –رحمه الله- ج3/ص621)؛ ومما أخذ منه ذلك؛ ما أخرجه البخاريُّ في صحيحه في كتاب الحجِّ عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- :  أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع ناقته وإن كان على دابة حركها من حبها»، وقد قيل: إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ وَفَاءَ الرَّجُلِ وَوَفَاءَ عَهْدِهِ؛ فَانْظُرْ إلَى حَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ، وَتَشَوُّقِهِ إلَى خِلاَّنِهِ؛ (ينظر: الآداب الشـرعية لابن مفلح 3/562).

فنحمدُ الله – عزَّ وجلَّ- بما حبانا الله به في هذا الوطنِ الأغرّ؛ من نعمٍ عظيمةٍ؛ وآلاءٍ جسيمة؛ إقامةٌ للتوحيد، ووحدةٌ في الصف، واجتماعٌ في الكلمة، وأمنٌ مستتب، ورغدُ عيش، وشعائرٌ للدين ظاهرة، وقيادةٌ رشيدةٌ، وسيادةٌ للشريعة، وحضارةٌ متطورة، إلى غير ذلك من النعم؛ التي تستوجب الشكر، وجديرٌ أن تحاطَ بالمحافظة عليها بشكر الله – عزوجل-، والدعاء للبارئ جل وعلا بأن يحفظها ويديمها؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، وقال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾[إبراهيم:7] ، وَ"كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها"(تفسير الطبري24 / 489)، انطلاقاً من قول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) [الضحى: 11]؛ "فالتحدُّثُ بنعمة اللهِ شكر"(المناوي في فيض القدير3/369).

ومن شكرِ النعم شكرُ من كانَ سبباً فيها؛ ومن السنة شكر المحسن على إحسانه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ» (رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني).

وإنهُ لجديرٌ في هذا المقامِ؛ أن نبينُ منارةً شامخةً سطعت بضيائها عبر تاريخ المجد المؤثل؛ والتي كانت وظلت وما زالت – بحمدِ الله ومنته- شاهدةً إلى عصـرنا الحاضر؛ أسسّها ووضع أصولها الملك عبدالعزيز – رحمه الله- إبانَ توحيدها على كلمةِ التوحيد؛  وأرساها – بتوفيق من الله- على المصدر الرئيس، والأصل الذي لا يضلُّ من تمسك به أبداً؛ وهي الشريعة الخالدة؛ والوحي المطهر؛ فأعلا راية التوحيد –رحمه الله- وجمع الكلمة على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- ؛  إيماناً منه – رحمه الله- بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي))[رواه الحاكم وغيره؛ وصححه الألباني]؛ "فنفع الله به المسلمين، وجمع الله به الكلمة، ورفع به مقام الحقّ، ونصر به دينه" (من كلام الشيخ ابن باز –رحمه الله-)؛ قالَ الملك عبدالعزيز – رحمه الله-: ((إن أحكام الإسلام هي الركيزة الأساس للحكم, وستظل السـراج المنير التي يهتدي بهديها السائرون ويستضيئ بنورها المدلجون، وإن الإسلام دين جاء لما فيه صلاح الناس في الدنيا والآخرة, وأن من أراد سعادة الدارين من الأفراد والجماعات فما عليه إلا أن يفهم حقيقة الإسلام وأحكامه, ويسعى للعمل بها حتى يكون في هناء وسعادة ورفاه))[جريدة أم القرى رقم 32 في 16/1/1344هـ ].

ومما صدرَ في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله- من الأنظمة المنظمة للعمل القضائي: ((نظام أوضاع المحاكم الشرعية وتشكيلاتها)) و((تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية))، و((نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي)).

وإنَّ من معالم المبادئ القويمة؛ لهذه البلاد – حفظها الله- العناية بالقضاء  والسلطة القضائية؛ فغدا ثابتاً راسخاً عميقاً ممتداً إلى ما نراه في عصرنا الحاضر.

وقد أولت هذه البلاد – حرسها الله- القضاء عنايةً ورعايةً واهتماماً ودعماً.

فبزغت شمس الاهتمام ؛ بالتأهيل في المجال القضائي؛ والذي ظلَّ بارزاً ظلتْ آثارهُ شاهدةً إلى وقتنا الحاضر ممثلاً في تأسيس المعهد العالي للقضاء؛ الذي يعدُّ أول وحدةٍ تعليمية للدراسات العليا في المملكة العربية السعودية.

وإنَّ ما نشهده اليوم من تطورٍ متسارع؛ ونقلة نوعية؛ لنسألُ الكريم – جل وعلا- أن يباركَ في الجهود، وأن يسدد الخطى، وأن يحفظ خادم الحرمين الشـريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأن يديمَ علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ على هذه البلاد أمنها وإيمانها وقيادتها وعقيدتها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د.عبدالله بن أحمدسالم المحمادي

عميد المعهد العالي للقضاء

--
15/02/1443 11:49 ص
آخر تعديل تم على الخبر:
 

المحتوى المرتبط

بحث / ربط المحتوى

    عنوان المحتوى التاريخ