الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
تحيي جميع دول العالم في التاسع من شهر ديسمبر من كل عام يومًا وسَمَته بـاليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهو حدث دولي تقوم فكرته على لفت أنظار الدول إلى خطورة الفساد، وذلك لما له من ضرر بالغ على الدول والمجتمعات.
وعلى الرغم من شهرة الفساد بوصفه موضوعا تتناوله وسائل الإعلام ومادة في الخطاب التداولي اليومي فإننا نجد صعوبة عند محاولة تحديد مفهومه، وذلك راجع إلى سعة المجالات الحيوية التي يدخل الفساد فيها لتعطيلها، ولتنوع الممارسات التي تندرج تحت هذا المفهوم، مما حدا بكثير من الدول إلى أن تسن نظاما لكل ممارسة، وتعرفها قانونيا، وتصنفها من حيث هي جريمة كبرى أو صغرى، وتقرر لكل جريمة عقوبة تتناسب معها، لكن أغلب الذين عرفوا بالفساد في جوانبه اللغوية والاصطلاحية عرفوه بضده فجعلوه كل ما يضاد (الإصلاح) كما أن كثيرا من الباحثين والمفكرين العرب والغربيين تداولوه في الخطاب العلمي بمعانِ سلبية تدل على: التلف، والضرر، والخلل، واستغلال النفوذ، وتعطيل الأنظمة والقوانين أو التحايل عليها.
ويركز تصنيف بعض الباحثين في قوانين مكافحة الفساد على قسمين كبيرين هما:
الفساد المالي: وهو محاولة الكسب غير المشروع بطرق غير قانونية، تقوم في أساسها على التحايل على الأنظمة والقوانين أو تعطيلها، أو استغلال أشخاص أو مجموعات نفوذهم في السلطة لسن قوانين تؤدي إلى الاحتكار، أو تسهل لهم الحصول على المال بعيدا عن أنظمة الرقابة والعدالة.
الفساد الإداري: ويتركز في مستواه الأعلى عند كبار الموظفين على استغلال النفوذ الإداري؛ لتسخير الوظيفة العامة لمصالح شخصية منها: المادية، ومنها المعنوية، كما أنه يعطل حقوق الآخرين، وفي مستواه الأدنى يظهر عند صغار الموظفين في عدم التقيد بالأنظمة، وتعطيل الإنتاج، والتهاون في أداء المهام فيتحول الموظف إلى عبء ثقيل على المؤسسة، ويتسبب في ترهل الهيكل الإداري.
إن الفساد يعد آفة كبرى من آفات الدول والمجتمعات قديما وحديثًا؛ لأنه يقف سببا رئيسًا وراء تعطيل النمو الاقتصادي، ويلحق الضر بهياكل الدول، ويعرقل العدالة أو يلغيها، ويكرس الطبقية في المجتمع، ويلغي التوزيع العادل للثروة.
وفي هذه المناسبة نجد أن من الواجب علينا أن نبرز الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في مكافحة الفساد المالي والإداري، كما أننا نفخر بدور حكومتنا الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- في إعادة هيكلة كثير من وزارات الدولة؛ لتحقيق تنمية شاملة، مبنية على أسس الدولة الحديثة، ولم يفت على حكمة قيادتنا أن استحدثت هيئة مهمتها مكافحة الفساد وتجريمه بجميع صوره المختلفة؛ بهدف تحقيق مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وترسيخ مبدأ العدالة في نُظم الدولة وإجراءاتها التنفيذية؛ لأجل تحقيق العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، وقد نتج عن تلك الإجراءات الحكيمة أن حققت المملكة العربية السعودية – بحمد الله - تقدماً بسبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد (سي بي آي) لعام 2019 ، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، إذ حققت المملكة المركز الـحادي والخمسين (51) عالمياً من أصل مئة وثمانين ( 180) دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية؛ لتحتل – بفضل الله - المركز العاشر.
وانطلاقا من توجيهات ولاة الأمر – أيدهم الله – ودعمهم حققت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية جهودًا عديدة في: مكافحة الفساد، ومراجعة الأنظمة، والهياكل الإدارية، والإجرائية. نستعرض بعضًا منها في النقاط الآتية:
1ـ عملت الجامعة على بناء نظام حوكمة فاعل؛ من خلال تقويم جميع اللوائح والقواعد التنفيذية، وسياسات وإجراءات الأعمال الأكاديمية والإدارية والمالية ومراجعتها؛ لتكون أكثر شفافية ووضوحاً، لمنع أي تجاوزات: إدارية، أو أكاديمية، أو مالية.
2ـ إعادة هيكلة الجامعة بقرار مجلس الجامعة ذي الرقم (3327ـ1439/1440هـ)، وهي هيكلة روعي في تصميمها: التنظيم الإداري والرقابي، ومنع الازدواجية، وتوصيف المهام لكل وحدة؛ وتحسين جودة الأداء، كما جرى تطوير هذه الهيكلة حديثاً؛ لتكون أكثر استجابة لرفع كفاءة الإنفاق.
3ـ طورت الجامعة خطتها الإستراتيجية للأعوام الخمسة القادمة، تطويًرا شمل جميع الجوانب: الأكاديمية، والإدارية، والمالية، والتقنية.
4ـ إصدار القرار الإداري برقم 35553، وبتاريخ 20/03/1441هـ، القاضي بتحديد الصلاحيات والمهام وتفويضها في جميع وحدات الجامعة؛ لتحقيق أفضلِ الأساليب والتنظيمات الإدارية.
5ـ إصدار التعميم ذي الرقم 141615، والتاريخ 05/11/1440هـ، المتضمن توجيه جميع الوحدات بالتعاون التام والكامل مع جميع الجهاتِ الرقابيةِ، وتسهيل مهمة منسوبيها؛ لتحقيق النزاهة ومكافحة الفساد.
6ـ إصدار التعميم برقم 19523، وبتاريخ 11/02/1441هـ، القاضي بسرعة الرد على المعاملاتِ المحالةِ من الجهات الرقابية خلال ثلاثة أيام عمل، حدًّا أقصى.
7ـ تنفيذ عدد من التوصيات، وإنزال عقوبات في حق من ثبت عليه تجاوز نظامي، بعد التثبت وإجراء التحقيقات الكاملة.
8ـ تفعيل نظام للتواصلِ المباشر مع أصحاب الشكاوى؛ لتعزيزِ النزاهةِ وزيادة الشفافية، إضافة إلى تحديد يومين في الأسبوع؛ لاستقبال المراجعين من: منسوبي الجامعة، ومن خارجها.
9ـ عملت الجامعة على إعداد برامج لنشر الوعي بمبادئِ النزاهةِ والشفافية.
10ـ تعمل الجامعة على إعداد مقرر دراسي؛ لتعزيز النزاهةِ ومكافحةِ الفساد لدي خريجيها، وتطوير مهاراتهم ومعارفهم؛ لتأهيلهم لسوق العمل بعد تخرجهم، بالإضافة إلى نادي (نزاهة) الطلابي في الجامعة، الذي يقدم دورات وأنشطة غير صفية.
إنني في هذا اليوم العالمي لمكافحة الفساد أهيب بجميع منسوبي الجامعة أن يسهموا إسهاما فاعلًا في تحقيق الشفافية والعدالة في أعمالهم، وبحوثهم، والالتزام بالأنظمة واللوائح، وأن يكونوا قدوات صالحة لطلابهم في أداء الواجبات وحقوق العمل بأمانة وإخلاص، كما أدعوهم لتوعية طلاب الجامعة والمجتمع بأهمية النزاهة في العمل ودورهم في رفع مستوى الإنتاجية، وأن يبرزوا الدور الكبير لقيادتنا الرشيدة في تحقيقِ مبادئ النزاهة ومكافحة الفساد، والمبادرة إلى كل ما يخدم وطننا الغالي المملكة العربية السعودية في محاربة الفساد والإسهام الفاعل في تحقيق رؤية السعودية 2030.
حفظ الله بلادنا عزيزة شامخة، لتنعم بأمن وارف، واقتصاد زاهر في هذا العهد الميمون.
رئيس الجامعة
أ.د أحمد بن سالم العامري