الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنَّ الدَّولة السَّعوديَّة هي قَلبُ العالم الإسلامي ، وقَلعةُ الإسلام الكبرى ، وقد أكرم الله سبحانه وتعالى هذه الدولة السعودية المباركة بجمع كلمتها تحت راية التوحيد الخالدة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" فكلمة التوحيد هي الأساس التي قامت عليه هذه البلاد، واتخذتها شعاراً لها ومنهجاً لحياتها ، وأصلاً لنظام الحكم فيها.. وهو ما أكده الموحد لهذا الكيان المبارك والمؤسس له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – طيب الله ثراه– حينما دخل مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال من عام 1319هـ.. وذلك استمراراً وتواصلاً لنهج وسيرة آبائه وأجداده من قبله من حكــام آل سعود الميامين.. والقائم على كتـــاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم– وهدي سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، وفي هذا المعنى يقول المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود –طيب الله ثراه – الذي أقام دولته على هذا النهج القويم امتداداً لما سبقه : (إنني رجل سلفي وأفخر بأنني سلفي وأعمل جهد طاقتي في سبيل إعلاء كلمة الدين وإجلاء منهج السلف الصالح في نفوس المسلمين والعرب ) وقال : ( إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة ) .. واختيار هذا المنهج من الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – جاء مصداقاً لقوله تعالى : ( وعد الله الذي أمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) . . وقوله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) . .
وما زال هذا النهج السديد ، والسيرة الحسنة يتوارثه الأبناء الأشاوس ، من الآباء الكرام ويعملون به قولاً وعملاً ومعتقداً وعبادة وسلوكاً ونظاماً.. ويؤكدون عليه في كل مناسبة وفعالية واجتماع ولقاء عام أو خاص .. ويعدونه ديناً يدينون الله سبحانه وتعالى به، قناعة واعتقاداً منهم أنه النهج الحق، والطريق القويم الهادي إلى الصراط المستقيم، والنجاة يوم الدين، والموصل إلى رضا رب العالمين.. فعنايتهم بعقيدة السلف ومنهجهم السوي ليست محل شك أو ريب أو مساومة أو ظن.. بل يقين وجزم – رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء وأطال في عمرهم على الطاعة والصلاح والفلاح .
ولقد طبق الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ الشريعة الإسلامية وجعلها منهج حكم ودستور واعتمد ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ولقد توافرت للملك عبد العزيز من الصفات القيادية ما مكنه من حمل المسؤولية وتأسيس دولة حديثة كانت المنطقة في أمس الحاجة إليها، حيث استطاع أن يوحد بلداناً وقبائل وشعوباً، وأن ينشر الأمن والاستقرار في منطقة شاسعة.
من خصال الملك عبد العزيز إيمانه بالله قبل كل شيء، وتمسكه بالعقيدة ونبل هدفه الذي اعتمد فيه على الله عز وجل ، ثم على أبناء شعبه وقوة شخصيته وموهبته القيادية وحكمته المتميزة ، ومن صفاته أيضاً صبره على المكاره وإنسانيته ورحمته بالغير، وعفوه عند المقدرة.
و شملت مرحلة التأسيس والبناء في عهد الملك عبد العزيز منذ دخوله الرياض عام 1902م العناية بالجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية، وتأسيس العديد من المؤسسات الإدارية، منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى، وإدارة المقاطعات، ورئاسة القضاء، والمحاكم الشرعية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية ووزارة الدفاع، ووزارة المواصلات، ووزارة الصحة، ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة، كما شملت عناية الملك عبد العزيز الحجاج والزوار والمعتمرين إلى بيت الله الحرام، فتم في عهده تنظيم الخدمات المقدمة للحجاج وتطويرها، حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين وتأسيس المديرية العامة للحج وإنشاء المحاجر الصحية، وإيصال مياه الشرب للأماكن المقدسة، وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه ليضمن لهم أكبر قدر من الراحة والأمن والطمأنينة وحفظ أرواحهم وأموالهم، كما اتخذ من التدابير ما يمنع استغلالهم وفرض تعريفات بأجور عادية لنقلهم بين الأماكن المقدسة، وعمل على توفير مياه الشرب والأغذية وكل مستلزمات الحياة ووسائل الراحة لهم، واهتم بنشر العلم والثقافة على أسس إسلامية راسخة، وحارب الجهل بين الحاضرة والبادية فساند حركات الوعظ والإرشاد والتعليم في المساجد والكتاتيب وغيرها، وتأسيس المدارس، وإصدار النظم الخاصة بها، ونشر المؤلفات وتوزيعها.
وانطلاقاً من حرص الملك عبد العزيز الشخصي على الاستزادة من مناهل العلم والمعرفة، وجه بتأسيس مديرية المعارف، وإنشاء المدارس في أنحاء المملكة. ودعم المدارس الأهلية ووضع قواعد التعليم الحكومي المنظم عندما أسس مديرية المعارف لتتولى الإشراف على التربية والتعليم.
وأعـــاد أبناؤه الملوك البـــررة الأشاوس سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله – رحمهم الله – وسلمان – حفظه الله – النهج ذاته، حيث ترجم هؤلاء الملوك كل ما وضعه الملك المؤسس من استراتيجيات وأهداف بعد رحلة كفاح وبطولة في مسيرته الطويلة لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل.
حفظ الله قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – وسمو ولي عهد الأمين وسمو ولي ولي عهده ، وحفظ الله بلادنا الغالية الحبيبة من كل سوء ومكروه ، وجعلها دائماً وأبداً فخراً وعزاً، لوطننا الغالي، ولأمتنا الإسلامية والعربية ، وعوناً للإسلام والمسلمين في كل مكان على هذه الأرض ، ومشعل هداية للبشرية كلها ، ورمزاً للإنسانية جمعاء، والحمد لله رب العالمين.
عميد الدراسات العليا أمين المجلس العلمي
الدكتور: ناصر بن محمد المنيع