أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرًا ملكيًا بإنشاء مجمع باسم (مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف) في المدينة المنورة.
وأوضح الأمر الملكي أن القرار يأتي نظرًا لعظم مكانة السنة النبوية لدى المسلمين؛ كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، واستمرارًا لما نهجت عليه هذه الدولة من خدمتها للشريعة الإسلامية ومصادرها، ولأهمية وجود جهة تُعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه، جمعًا وتصنيفًا وتحقيقًا ودراسة.
ويأتي هذا القرار ليؤكد للعالم أجمع أن دولتنا المباركة تحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن كل ما يخدم الكتاب والسنة هو محل عناية واهتمام من أعلى سلطة في بلادنا الحبيبة.
ولقد جاء القرار الملكي الكريم ليشيد بمكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي، وأنها التطبيق العملي لما جاء في القرآن العظيم، وهي الكاشفة لغوامضه، الشارحة لألفاظه ومعانيه، ولهذا فإنه لا يمكن للدين أن يكتمل ولا للشريعة أن تتم إلا بأخذ السنة جنبًا إلى جنب مع القرآن، بل أن بعض آيات القرآن لا يمكن فهمها فهمًا صحيحًا على مراد الله تعالى إلا عن طريق السنة، كقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيرًا، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: "يا رسول الله! أيُّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟" فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس بذلك، إنما هو الشرك؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}" [لقمان من الآية:13] (أخرجه الشيخان، وغيرهما).
وقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (النساء من الآية:101)، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال: «صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» (رواه مسلم).
و الواجب على المسلمين جميعًا ألا يُفرِّقوا بين القرآن والسنة، من حيث وجوب الأخذ بهما كليهما، وإقامة التشريع عليهما معًا. كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يرِدا على الحوض". وإن السنة التي لها هذه الأهمية في التشريع، إنما هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق العلمية والأسانيد الصحيحة المعروفة عند أهل العلم بالحديث ورجاله.
ولا شك أن هذا المجمع المبارك الذي أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيكون منارة للعلماء وطلاب العلم والباحثين في الجامعات والمؤسسات التعليمية داخل وخارج المملكة العربية السعودية، وسوف يساهم في نشر المنهج الصحيح لهذا الدين العظيم القائم على نشر مفاهيم الوسطية والاعتدال ومكارم الأخلاق العظام.
نسأل الله العظيم أن يجزي خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء، وأن يمد في عمره على الطاعة وينفع به الإسلام والمسلمين.
عميد كلية الطب المشرف العام على الخدمات الطبية
أ.د خالد بن عبدالغفار آل عبدالرحمن