تخطي أوامر الشريط
التخطي إلى المحتوى الأساسي

 حرمة التعاطف مع الأحزاب والجماعات والفِرق

 

إنَّ لزوم الجماعة أمرٌ بالغ الأهميَّة؛ حيث اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وتماسك اللُّحْمَة، ولا أدلَّ على ذلك من إيجاب الجماعة في الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة؛ حيث أنَّ الله تعالى جعل في ذلك اجتماع شمل المسلمين، وتأليف قلوبهم على الخير  والصلاح، فعندما يلتقون كل يوم خمس مرات في بيت من بيوت الله عز وجل يحصل لهم الاجتماع وَلَمِّ الشمل وما يحققه ذلك من تكافل المسلمين وتعاونهم فيما بينهم، وإظهار شعائر الدين وقوته، وتوحيد المسلمين؛ فلزوم الجماعة ونبذ الفرقة أصلٌ من أصول أهل السُّنَّة، بل عُرف أهل السنة بأنَّهم أهل السُّنَّة والجماعة، وقد ابْتُلِيَ العالم الإسلامي بوجود فرق وأحزاب وجماعات، كُلٌ يدعو الناس إلى الانتماء إلى حزبه وجماعته، مما أدى إلى تفرق الجماعة، وتمزيق الوحدة الوطنية، وتشتيت الأمة، وعقد الولاء والبراء عليها؛ حيث يتربى الأفراد المنتمين إليها على البراءة ممن لم يكن معها، والولاء لمن كان معها، مخالفين بذلك دين رب العاملين وهدي سيد المرسلين ( ومنهج سلف الأمَّة الصالحين؛ فقد أمر الله تعالى بالاعتصام بحبله وترك التَّفرُّق في قوله: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }. 

فأبت تلك الفِرَق والأحزاب وأصحابها إلا التفرُّق والاختلاف، ودخلوا بعلمٍ أو بجهل

والواجب على المسلمين جميعًا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وترك التَّحزُّب والتَّفرُّق والاختلاف وعدم إعارة السمع لمن يهوِّن من وجود الأحزاب والجماعات في جماعة المسلمين، وهذا المعنى هو الذي دلَّت عليه الأحاديث والآثار؛ فقد أخرج أبو داود في سننه بسنده قال: قال  النبي (: ((أَلاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَةُ ...)). 

فدلَّ الحديث أنّ أمة النبي ( ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وكلّ فرقة تزعم أنها هي الجماعة، ولكن الحقيقة أنَّ الجماعة هي التي وافقت ما عليه الرسول ( وأصحابه.

وأخرج مسلم بسنده من حديث حذيفة ( قال: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ( عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ)). فَقُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: ((قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)). قُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: ((هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)). قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)). قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: ((فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ)).

ففي هذا الحديث الشريف: أنَّه سيكون في آخر الزمان دعاة على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. ووصفهم النبي ( أنَّهم من جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا، فهم في الظاهر مثلنا ومعنا، وهم في الباطن مخالفون لنا، ولكنّهم – في الحقيقة – وإنْ تشابهت ظواهرهم بظواهر السنة فهم كما وصفهم النبي ( بأنَّهم ((قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)). وبين يديك الأدعياء فمن وافق هديه منهم هدي رسول الله ( فهم الجماعة، ومن اهتدى بغير هديه ( فهو ليس من الجماعة المقصودة في حديثه ( بنص قوله (، وقد نصَّ أهل العلم على خروج الخوارج وأصحاب المحنة من الجماعة المقصودة في هذا الحديث وغيره. 

وبعض من سلَّمه الله من الانتماء إلى تلك الفِرَق والأحزاب، وقع في بعض صور التَّعاطف معها مما يزيد من شرها، ويوقعه في بعض أخطائها أو تأييدها أو ربَّما قاده ذلك إلى موافقتها فيما هي فيه من أخطار ومخالفات، بل ربَّما وقع في حبائل الانتماء إليها والانخراط فيها والعياذ بالله.

وقد وُجِدتْ بعض صور التَّعاطف مع تلك الأحزاب والجماعات الضالة الهالكة في مجتمعنا، ووردت أسئلة عنها، وعُرضت على علمائنا، منها هذا السؤال الذي عرض على العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:

"رغم خطورة ما يقوم به أصحاب الفكر الضال إلا أنه مع الأسف هناك لا يزال من يتعاطف معهم بحجة وجود مخالفات من بعض المسؤولين، ما هو توجيه فضيلتكم؟

الجواب: مخالفات بعض المسئولين لا تبيح أن نخرج عليهم، وأن ننفض اليد من طاعتهم، ما أقاموا الصلاة، كما قال النبي ( لما ذكر ما يكون من الولاة من مخالفات، قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم، قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة"، فلا يجوز الخروج عليهم وشق عصا الطاعة، بسبب ما يحصل منهم من القصور والتقصير، ما لم يخرجوا عن الإسلام؛ لأنَّ في البقاء على طاعتهم وجمع الكلمة مصالح، وفي الخروج عليهم مفاسد أكبر من الصبر عليهم، ولا شك أن درء أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما أن هذا قاعدة شرعية، ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاه، أعلى الضرر، ومعاصيهم ضررها على أنفسهم، وأما الاجتماع عليهم فهذا من صالح المسلمين". 

فكان الحذر والتَّحذير من التَّعاطف إلى تلك الأحزاب والجماعات، وبيان صور التَّعاطف وحكمها من الأهميَّة بمكان.

        أسأل الله أن يوفَّق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى، وأن يكتب أجر حماية جناب التَّوحيد، والدفاع عن السُّنَّة، وحفظ أمن الوطن والمواطن، وأن يتقبل منهم صالح عملهم لخدمة الإسلام ورعاية أهله.

              

عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء

د. محمد بن عبدالعزيز محمد العقيل

--
22/08/1439 03:21 م
آخر تعديل تم على الخبر:
 

المحتوى المرتبط

بحث / ربط المحتوى

    عنوان المحتوى التاريخ
    الثلاثاء 28/12/1438 هـ 19/09/2017 م
    المصدر:الإدارة العامة للإعلام والاتصال
    التقييم:
    الكلمات الدلالية
    جامعة الإمام، الوطن، الأحزاب، الجماعات، عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء ،محمد بن عبدالعزيز محمد العقيل