الحمد لله الذي جعل ديننا دين الوسطية والاعتدال، فلا مجال فيه لتفريط مقصر، أو إفراط متغال، وحذرنا من مكر الماكرين وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من اتبع شرعه اهتدى، ومن خالف سنته كان في ضلال...أمَّا بعد:
فعلى أرض المملكة العربية السعودية وبسواعد وطنيَّة، وبإشراف ودعم من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله تم إنشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف "اعتدال"، الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، يرافقه الرئيس الأميركي وقادة (55) دولة عربية وإسلاميَّة مساء الأحد، الموافق: الرابع والعشرين من شهر شعبان لسنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف، الحادي والعشرين من شهر مايو لسنة سبع عشرة وألفين.
وإن كان الخبراء والمهندسون السعوديون أبهروا العالم في إنجازهم الإنشائي لهذا المركز فيما لا يزيد على ثلاثين يومًا فإنَّ العجب العجاب، والأمر الذي ترنو إليه العيون وتدهش له الألباب الملف التعريفي لهذا المركز، وأدعوكم للاطلاع على تفاصيله عبر الرابط http://etidal.org/files/Ar_Etidal.pdf
والقارئ لهذا الملف التعريفي لا يشعر إلا بما سطره هذا الملف في سطوره الأولى، وأستعير نص كلماته: "اليوم نفخر بتأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)؛ ليكون نقطة إشعاع وتعاون دولي في مواجهة عدو البشرية الأول"؛ فلنا أن نعتز بهذا الإنجاز السعودي، الذي جعل العالم يقف صفًا واحدًا في مواجهة العدو الأخطر، وهو التطرف.
والتطرف فكرٌ ينشأ عنه أعمالٌ إجرامية من تخريب وإرهاب لكل من يخالف فكر هؤلاء المتطرفين، فالتطرف سبب وأصل، وهو الداء العضال، والتخريب والدمار وترويع الآمنين، ويحسب للمملكة العربية السعودية أنها أنشأت هذا المركز لتحارب سبب المرض، وهو الفكر المتطرف كما نجحت بفضل الله في مواجهة أعراضه بخططها الأمنية التي تبث الطمأنينة في نفوس كل من يقطن هذا البلد المبارك.
والمتأمل لهذا المركز يقف على عمق رؤيته "المرجع الأول عالميا في مكافحة الفكر المتطرف وتعزيز ثقافة الاعتدال"، ويخدم هذه الرؤية رسالة عظيمة تعمل على رصد وتحليل الفكر المتطرف واستشرافه للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات ذات العلاقة؛ وأهدافه الاستراتيجية وقاية، وتوعية، ومواجهة، وشراكة.
كما أنَّ العجب أيضًا في التوقيت الذي تم اختياره لإنشاء المركز؛ حيث أصبح الفكر أشبه بالوباء الذي يتنوع كل يوم فيفرز كوارث جديدة لا تردعها الحواجز الجغرافية أو الاختلافات الثقافية؛ مما أصبح لزامًا على جميع دول العالم توحيد الجهود الدولية لمكافحة هذا الخطر الداهم الذي يسير في العالم مسير النار في الهشيم.
وليس للتوقيت وحده هذا الشأن وإنما لمرتكزاته الاستراتيجية الفكرية والرقمية والإعلامية، وكذلك لمحاور عمله من الرصد والتحليل والتفاعل، ونطاقه العالمي؛ حيث يشمل قارات العالم السبع.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن أوصي شعوب العالم بالاطلاع الجيد على مهام هذا المركز؛ حتى يكونوا على بصيرة، التي ينتج عنها التفاعل النشط؛ لتحقيق أهدافه التي أنشئ من أجلها، وحريٌ بقادة العالم الاستفادة من هذا المركز وتنفيذ ما يصدر عنه.
ووصية خاصة لأبناء وطني الحبيب أن يقفوا صفًا واحدًا خلف قيادتهم الحكيمة، التي تسعى دائمًا لتحقيق آمال وطموحات شعبها.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وجنبنا التطرف وأخطاره في العلن والنجوى.
الدكتور محمد بن عبدالعزيز العقيل
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء