الحمد لله الذي بسط على بلادنا نعمة الأمن والسلام، واختارها موئلا لقبلة بيته الحرام، والصلاة والسلام على خير الأنام، نبينا محمد بن عبدالله ذؤابة الأنبياء الكرام، المبشر بالنور والهدى والسلام، وعلى أصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره عاما بعد عام، أما بعد:
فتعيش المملكة العربية السعودية حدثا تاريخيا في يوم 22 فبراير من كل عام ليؤرخ ذكرى تأسيس السعودية الخالدة، والاحتفاء بعراقة تاريخها، وشموخ بنيانها، وعمق حضارتها، قبل ثلاثة قرون على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- الذي بدأ رحلة بناء دولة عظيمة الكيان، راسخة الجذور، تليدة المجد، فأحدث فارقا في تاريخ الجزيرة العربية لم يسبقه إليه أحد في تاريخ العالم العربي كله، ففي مدة وجيزة نقل الدولة من دولة المدينة في (الدرعية) إلى الدولة الكبرى بمعناها الحديث على مساحة شاسعة من أرض الجزيرة العربية؛ لتكون أول دولة ذات شأن في جزيرة العرب بعد عهد الدولة الإسلامية الأولى في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة القائمة على أساس الوحدة والأمن والاستقرار التي تفتقر له المنطقة في تلك الحقبة من الزمن.
لقد وهب الله -سبحانه وتعالى- الإمام المؤسس صفات مكنته أن يكون الحاكم الذي أجرى على يديه توحيد القبائل تحت راية واحدة بعد قرون من الفوضى السياسية، والفرقة والشتات والتناحر والحروب التي مزقت نسيج المجتمع والقبائل في مناطق شتى. لقد كان الإمام محمد بن سعود فارسا شجاعا حليماً، اتصف بالحنكة السياسية، والحكمة الإدارية، وبعد النظر، وعُرف عنه حسن التدبير، وسداد الرأي، ومعالجة الأمور ببصيرة وروية، كما كان كريما ينفق من ماله ليقيل عثرات الكرام، حريصا على إقامة الدروس العلمية الدينية لنشر العقيدة الصحيحة على منهاج النبوة، وقد أسهمت كل هذه الصفات في بناء كيان دولة عظيمة وتأسيس ركائزها، وتحقيق وحدتها، ولم شملها في مجتمع متناحر لم يعايش الاستقرار، ولم ينعم بالوحدة، ولم يتمتع بالأمن والأمان، وما تلا ذلك من جهود عظيمة في استتباب الأمن وتوطين الحكم واستقراره ورعاية شؤونه وإخماد الفتن خارج الدرعية ليكتسب الدراية بالسياسة والتخطيط لتأسيس الدولة الكبرى وترتيب أمورها.
بدأت رحلة الإمام البطل للتأسيس والوحدة ولم الشمل من داخل أسوار الدرعية في جميع الاتجاهات التي رسمها المؤسس للدولة الوليدة، ولم تتوقف حتى قضت على أسباب التناحر وأصبح دستور الحكم هو القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أسهم ذلك في استقرار الدولة، وازدهار اقتصادها، واستقلالها السياسي، وإرساء الأمن لقوافل الحج التي كانت تقدم من العراق وبلاد فارس وأواسط آسيا وحمايتها من قطاع الطرق واللصوص، فكانت تلك القوافل تحط رحالها في مركز الجزيرة العربية السياسي (الدرعية) في أمن وطمأنينة، وأصبحت قوافل التجارة تتجه من نجران وتعبر اليمامة إلى الشام في طول الجزيرة العربية تنقل التجارة بأمن وأمان.
إن ماضي التأسيس التليد يحكي الحاضر المجيد والمستقبل الواعد المضيء إن شاء الله. فهذه الدولة قامت على ركائز ومقومات قوية برغم كل التحديات التي واجهتها خال القرون الثلاثة الماضية، فحكام هذه الدولة المباركة على مر تاريخها واجهوا التحديات وتخطوا الصعاب وآلوا إلا أن تستمر هذه الدولة على أساس متين من العقيدة الصحيحة والأمن والاستقرار والازدهار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تطور وتقدم في كل المجالات.
إن العقود الثلاثة التي تحكي عمر هذه الدولة الرائدة هي أسس لبناء قوي متين واجه كل الصعاب حتى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي تشهد فيه المملكة تطورا مذهلاً في المجالات كافة لتتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم، ومحركاً رئيسا لاقتصاده، ومنارة إشعاع وخير للعالم أجمع، يعكس عمقها التاريخي والحضاري والثقافي، والذي يعُد مصدر اعتزاز بالجذور الراسخة لهذه الدولة العظيمة وارتباط مواطنيها بقيادتهم منذ عهد الإمام المؤسس، والمملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد عراب الرؤية السعودية 2030 تؤسس لمستقبل أكثر تطورا وتقدما لخدمة المواطن السعودي الذي تعًود أن يكون محور اهتمام قيادته منذ المؤسس الأول وحتى وقتنا الحاضر.
وفي الختام، أرفع باسمي وجميع منسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أسمى آيات الشكر والامتنان لمقام مولاي خادم الحرمين
الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله وأيده- وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله وسدده- في هذا الحدث التاريخي الوطني الكبير، الذي من شأنه أن يرسخ في شعب المملكة جيلاً بعد جيل نهج هذه الدولة الذي رسخه الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- والذي أسس دستورها على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وستظل راعية له، وراعية للحرمين الشريفين، تؤمِّن حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم- وشعبها ينعم بالأمن ورغد العيش والتقدم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
أ.د. أحمد بن سالم العامري
معالي رئيس الجامعة