تأتي هذه الذكــرى الغالية التي تتجــدد كل عام لتبين لنا عظم الملحمـة التاريخية التي خاضها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه في سبيل توحيـد المملكـة العربيـة السـعودية، تلك الملحمـة التي تحكـي قصة كفـاح صنعت مجــدًا كبيرًا ذا جذور تاريخية أوجد لنا كيانــا سياسيًا متماســكا، وجــد ليبقــى وليتطور وفقه رؤية طموحة، كيف لا وهذه الدولة بنيت علــى أســس وقيـم دينية متينـة جوهرها عقيـدة التوحيـد، وعمادها رجال أفنوا أعمارهم في سبيل تأسيس ووحدة هذا الكيان السياسي الذي سيظل بإذن الله ما بقي الدهر.
وهنا نشير إلى أن المتتبع لتاريخنا الوطني منذ قيام الدولة السعودية الأولى عام ١١٥٧ه/1744م حتى وقتنا الراهن -في ظل حكومة سمو سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز وريادة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز- تتجلى أمامه حقيقة مفادها أهمية المحافظة على هذا الإرث التاريخي وذلك من خلال تعزيز الانتماء الوطني وغرسه في أبنائنا، فما ننعم به من أمن وأمان واستقرار محلّي، وما نعايشه من رؤية طموحة، وهمة عالية، ومكانة عالمية، لم يكن لها أن تتأتى الاَّ بتوفيق من الله ثم بجهود حكَّام الدولة السعودية على مختلف عصورها، حتى كونت لهذه الجزيرة العربية كيانا سياسيا وإرثا حضاريا لم تعهده الجزيرة العربية منذ قرون.
ولكي نعرف عظم ومكانة تاريخنا الوطني لا بد أن نقارن بين أحوال الجزيرة العربية قبل وبعد قيام هذا الكيان السياسي الغالي على قلوبنا، فقبل قيام الدولة السعودية الأولى شهدت نجد أوضاعًا غير مستقرة على المستويين السياسي والحضاري، حيث ظهرت المخالفات العقدية وانعدم الأمن وتدهورت الأوضاع الاقتصادية وكثرت النزاعات المحلية...، وغيرها مما حتم ضرورة وجود سلطة وكيان سياسية وديني موحد لهذه الأرض الشريفة تحت راية آل سعود، حيث أسهم ذلك التحول السياسي منذ قيام الدولة السعودية الأولى بشكل عام وتأسيس المملكة العربية السعودية بشكل خاص في التطور السريع في الديموغرافيا السكانية، ولا شـك أننا نفخـر بمـا حقق ويتحقق مــن نهضــة وتقــدم فــي مختلـف المجـالات، فاصبحنا نلامس أثر تلك التضحيات التي بذلها الأوائل على التقدم الصناعي والزراعي والتجاري والعمراني والبيئي على مكانة المملكة العربية السعودية محليًا وعالميًا.
ولقد دلَّ هذا كله على أهمية الارتباط العقلي والوجداني لولاة أمرنا حفظهم الله، وزرع هذا المفهوم لدى طلابنا، فلإنسان بطبيعته يحتاج في حياته إلى الولاء الممزوج بالحبِّ لهذا الكيان الغالي علينا، كيف ولا ونحن نؤمن بأن للانتماء أهمية وآثار كبيرة، تنعكس على تقدم الدول، بل إن ذلك يسهم في دعم فرص الإبداع والريادة في كافة الميادين، وهو ما تنشده الدول الرامية للرقي الحضاري، إذ لا يمكن أن نحقق تقدمًا وازدهارًا من دون وجود انتماء وطني صادق وملحوظ.
وفي الختام أود أن أعبر عن شكري لله عز وجل علـى مـا مـن بـه علـينا مـن نعمـة الأمـن والأمـان، كما أتقدم بالتهنئـة الخالصة لمقام سيدي خادم الحرمين الشـريفين الملك سـلمان بـن عبدالعزيـز وولـى عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولمعالي رئيس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد بن سالم العامري ولكافة الزملاء والزميلات، والله أسال أن يديم على المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا نعمة الأمن والأمان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. عبدالله بن علي العجلان
قسم التاريخ والحضارة